في قلب كل منظمة ناجحة، تقف القيادة كركيزة أساسية توجه، تلهم، وتحفّز الفرق نحو الأفضل. لكن ماذا يحدث حين تتحول القيادة من قوة نابضة بالحياة إلى حالة من الجمود والتكرار؟ حين تصبح القرارات مجرد روتين خالٍ من الرؤية، والتوجيهات صدى لأفكار عفا عليها الزمن؟ هنا يولد ما يسمى بـ القيادة الزومبي.
القيادة الزومبي ليست مصطلحًا هزليًا، بل توصيف دقيق لحالة مأساوية تعيشها العديد من المؤسسات دون أن تدرك. هي تلك اللحظة التي يصبح فيها القائد عاجزًا عن التغيير، منغلقًا على نفسه، متمسكًا بإطار ذهني عتيق، يرى في كل جديد تهديدًا وفي كل مقترح انحرافًا عن "النظام المتبع". يتصرف كمن يسير بلا وعي، يكرر ما فعله بالأمس، دون تساؤل عن جدواه أو أثره الحقيقي.
قد يبدو القائد الزومبي هادئًا ومنضبطًا، لكنه في الواقع فاقد للمرونة، يرفض التطوير، يخشى التغيير، ولا يرى داعيًا للتأقلم مع متطلبات الواقع المتجدد. هو القائد الذي يعتز بخبراته القديمة إلى درجة تقديسها، فلا يعترف بتبدّل العالم من حوله، ولا يستثمر في تطوير نفسه أو فريقه.
لنفترض أنك موظف شغوف، تقدّم فكرة جديدة لتحسين سير العمل، فتُقابل بجملة "جربنا هذا سابقًا ولم ينجح"، أو "نحن نعرف ما نفعله، لا نحتاج إلى تجارب". تشعر بالإحباط، تتراجع، ثم تبدأ بالتكيّف مع الواقع دون حماس. بعد أشهر، تجد نفسك تؤدي مهامك فقط لتنجز، لا لتبدع. هذا هو الأثر الصامت والخطير للقيادة الزومبي.
في بيئات كهذه، يتكرس الصمت، وتُقتل المبادرة، وتصبح الاجتماعات مناسبات شكلية بلا نقاش أو تحليل. الموظفون لا يُسألون عن آرائهم، وإن سُئلوا، فلا أحد ينصت بجدية. أي نقد يُعتبر تهديدًا، وأي فكرة تُعامل كتمرد. وما إن تنتشر هذه الثقافة، تبدأ المنظمة بالانحدار البطيء، حيث يغيب الولاء وتقل الإنتاجية، رغم أن السطح قد يبدو مستقرًا.
القيادة الزومبي لا تؤثر فقط على نتائج العمل، بل تتعدى ذلك إلى الصحة النفسية للعاملين. بيئة العمل التي يهيمن عليها الجمود والرفض لكل جديد، تشكّل ضغطًا نفسيًا دائمًا. الموظف يفقد الإحساس بالإنجاز، ويشعر بأن وجوده لا قيمة له. يبدأ في فقدان الثقة في نفسه، وفي المؤسسة، وربما في فكرة النجاح ذاتها.
من جهة أخرى، يظهر ما يُعرف بـ "الانسحاب الصامت"، حيث يبقى الأفراد في وظائفهم فقط من أجل الراتب، دون أي انخراط حقيقي في الرؤية أو الأهداف. وتصبح المنظمة وكأنها جسد ضخم يتحرك من الخارج، لكنه فارغ من الداخل.
نعم، لكن الأمر يتطلب شجاعة وصدقًا. الخطوة الأولى هي الاعتراف. على القائد أن يتوقف ويسأل نفسه: هل ما أقوم به ما زال فعّالًا؟ هل أستمع لفريقي حقًا؟ هل أسمح لهم بالمحاولة والخطأ؟ هل أحتفل بأفكارهم الجديدة؟ إن لم تكن الإجابات واضحة، فقد يكون هذا مؤشرًا على بداية التحوّل إلى قيادة زومبي.
الخطوة التالية هي إعادة إحياء روح القيادة، من خلال:
الاستثمار في التعلم المستمر، سواء عبر دورات، أو قراءات، أو حوارات.
فتح قنوات التواصل الحقيقي مع الفريق، وتشجيع المشاركة في صناعة القرار.
خلق بيئة آمنة نفسيًا، يُسمح فيها بالتجريب والخطأ دون خوف من العقاب.
الاعتراف بالنجاحات الصغيرة، والاحتفال بالتقدم، مهما كان بسيطًا.
القيادة الزومبي ليست قدَرًا، بل خيارًا غير واعٍ يمكن تعديله. هي نتاج الخوف من التغيير، ومن فقدان السيطرة، لكنها في جوهرها عدو خفي للتقدم والإنسانية داخل المؤسسات. وإذا أردنا أن نخلق منظمات حية، نابضة، مبدعة، فعلينا أن نعيد إلى القيادة معناها الحقيقي: أن تكون واعية، حاضرة، متجددة، وقادرة على رؤية الناس قبل الأرقام.
فهل حان الوقت لننظر في مرآة القيادة، ونسأل أنفسنا بجرأة: هل نقود بروح حيّة، أم نسير بخطى الزومبي؟
مرحبًا بك في منطقة التعليقات! كن مهذبًا وابقَ في صلب الموضوع. قم بزيارة الشروط والأحكام الخاصة بنا واستمتع معنا!
لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!