Worx - Worx | Logo
BETA
Worx - القيادة المتساهلة: عندما تكون الثقة أقوى من الرقابة

القيادة المتساهلة: عندما تكون الثقة أقوى من الرقابة


في الثقافة الإدارية التقليدية، يُنظر إلى القائد الناجح على أنه صاحب القرار، الآمر الناهي، الذي يملك زمام الأمور ويوجه فريقه بتفاصيل دقيقة. هذا النموذج الذي ساد لعقود طويلة ارتبط غالبًا بالصرامة، الانضباط، والمراقبة المستمرة. لكن التحولات الكبرى التي شهدها العالم في مجال العمل، لا سيما مع تصاعد أهمية الذكاء العاطفي والبيئة النفسية الصحية، فتحت الباب أمام أنماط قيادة بديلة، من بينها القيادة المتساهلة أو ما يُعرف بـ Laissez-faire leadership.

هذا النمط، الذي كثيرًا ما يُساء فهمه ويُتهم بالضعف أو الغياب، بدأ يأخذ مكانه في الخطاب الإداري الحديث بوصفه أسلوبًا ناضجًا قد يعزز الرضا الوظيفي، ويُشعر الموظفين بالثقة، ويفتح أمامهم مساحة للإبداع والنمو الذاتي.

ما هي القيادة المتساهلة؟

القيادة المتساهلة ليست تخليًا عن الدور القيادي، كما قد يُظن للوهلة الأولى، بل هي تفويض واعٍ للثقة، يتجنّب الإفراط في التوجيه والتدخل، ويتيح للموظفين الحرية في اتخاذ القرارات ضمن حدود واضحة. القائد المتساهل لا يملي خطوات العمل، بل يُوجّه عند الحاجة، ويمنح الفريق شعورًا بالملكية والمسؤولية تجاه ما يقوم به.

غالبًا ما يُقارن هذا النمط بالقيادة الأوتوقراطية أو الصارمة التي تتميّز بالمركزية وتحكم القائد في أدق التفاصيل. وبين هذين النقيضين، يظهر القائد المتساهل كمن يملك الشجاعة للتراجع خطوة إلى الوراء، دون أن يغيب حضوره المعنوي.

الرضا الوظيفي في ظل القيادة المتساهلة

تظهر عدة دراسات في مجال السلوك التنظيمي أن الرضا الوظيفي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بـ الإحساس بالاستقلالية والاحترام والثقة. حين يشعر الموظف أن مديره لا يراقب كل حركة يقوم بها، بل يثق في قدرته على اتخاذ القرار، فإن ذلك ينعكس إيجابًا على نظرته لعمله ولمكانه في المؤسسة.

في هذا السياق، تشير أبحاث متعددة إلى أن القيادة المتساهلة تُعزز من:

  • التحفيز الداخلي: إذ يتحول العمل من واجب مفروض إلى مساحة للتعبير الذاتي وتحقيق الذات.

  • الشعور بالانتماء: الموظف يرى في ثقافة الثقة دليلًا على كونه عضوًا موثوقًا به، وليس مجرد منفذ.

  • الإبداع وحل المشكلات: عندما لا يكون هناك من يفرض طريقة معينة، تتاح للفريق حرية التجريب والتفكير خارج الصندوق.

الثقافة الجماعية والقيادة المتساهلة

في المجتمعات التي تضع قيمة عالية على العمل الجماعي والتعاون، يُنظر إلى القائد المتساهل بوصفه شريكًا لا متحكمًا. فهو لا يقف في قمة الهرم، بل يتحرك بين أفراده، يتيح لهم أن يتخذوا المبادرة، ويعبروا عن آرائهم بحرية.

هذه النظرة تجد لها جذورًا في ثقافات ترى أن قوة الفريق تتعزز عندما يُمنح كل فرد فيه المساحة للتصرف بثقة. في هذه البيئات، القيادة المتساهلة لا تُفسر على أنها انسحاب من الدور، بل على أنها إدارة مبنية على النضج والثقة المتبادلة.

القيادة المتساهلة ليست دائمًا مثالية

رغم فوائدها، يجب الاعتراف بأن القيادة المتساهلة ليست مناسبة لكل بيئة عمل. فبعض المواقف تتطلب الحزم والقرارات السريعة، كما في حالات الطوارئ أو في المهن التي تتعلق بالحياة والسلامة. في هذه السياقات، قد يؤدي غياب التوجيه المباشر إلى اضطراب الأداء أو ضياع المسؤوليات.

لكن هذا لا يقلل من قيمة القيادة المتساهلة، بل يُبرز أهمية المرونة القيادية. القائد الناجح هو من يُحسن اختيار الأسلوب المناسب للموقف، ويعرف متى يتدخل ومتى يمنح فريقه الاستقلال.

خاتمة: القائد كمن يمنح لا من يفرض

القيادة المتساهلة تعكس فلسفة أعمق من مجرد أسلوب إداري؛ إنها رؤية إنسانية ترى أن الأفراد قادرون على اتخاذ القرار، وأن الرقابة ليست الطريق الوحيد إلى الانضباط. حين يختار القائد أن يمنح فريقه الثقة، فهو لا يتنازل عن سلطته، بل يعيد تعريفها على أساس من الشراكة والاحترام.

ربما حان الوقت لأن نتخلى عن الصورة النمطية للقائد الصارم، ونبدأ بالنظر إلى القيادة بوصفها عملية بناء للثقة، وتمكين للفريق، وتعزيز للمبادرة. فالقائد الذي لا يتحكم بكل شيء، قد يكون هو بالضبط من يصنع بيئة يشعر فيها الجميع بأنهم جزءٌ من النجاح، لا مجرد أدوات لتحقيقه.



محادثة

0 تعليقات

مرحبًا بك في منطقة التعليقات! كن مهذبًا وابقَ في صلب الموضوع. قم بزيارة الشروط والأحكام الخاصة بنا واستمتع معنا!

Worx - Worx
لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!

لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!

المهارات في هذه المقالة
Worx © مجتمع ووركس - جميع الحقوق محفوظة
Worx