Worx - Worx | Logo
BETA
Worx - هل العمل يجعل حياتنا أفضل؟

 حين نعمل بلا توقف… هل نعيش حقًا؟

العمل لم يكن يومًا عدوًّا للإنسان، بل أحد أعمدة وجوده. لكن حين يصبح هو الوجود بأكمله، هنا تبدأ المشكلة. نحن نركض يوميًا خلف المهام، نُجيد التنظيم، نحترف الردود السريعة، ننجز أكثر من اللازم… لكننا ننسى أن نعيش. لحظات السكون، المشي بلا هدف، الوقت مع الأحباب، الاستغراق في كتاب أو أغنية – كل ذلك صار ترفًا لا وقت له. حين نقيس أيامنا فقط بما أُنجز، نتجاهل ما فُقد من أنفسنا في الطريق. وهكذا، يتحول الإنجاز إلى غاية فارغة، ما لم يُرافقه شعور بالمعنى والرضا.

أرقام صادمة: أين اختفى شعور "الازدهار"؟

33% فقط من موظفي العالم يشعرون بأن حياتهم مزدهرة، حسب تقرير Gallup لعام 2025. أي أن ثلث العالم تقريبًا يشعر بأنه يعيش حياة ذات جودة عالية، بينما البقية إما يكافحون للصمود أو يعانون. هذه ليست مجرد إحصاءات، بل مؤشرات وجودية. معنى أن "يزدهر الإنسان" يتجاوز الراحة المادية أو الوظيفة الجيدة. هو شعور بالتقدم، بالارتياح الداخلي، بالقدرة على أن تحب ما تفعله دون أن يستهلكك. حين تتراجع هذه النسبة عامًا بعد عام، فنحن لا نواجه أزمة عمل فحسب، بل أزمة إنسانية شاملة تستحق التوقف والمراجعة.

 ما الذي يحدث خلف الشاشات المغلقة؟

الوظيفة في ظاهرها ساعات دوام ومهام مكتوبة، لكنها في باطنها عوالم نفسية معقدة. كثير من الموظفين اليوم يُتقنون تمثيل الرضا، ويُخفون مشاعر الانطفاء. خلف الشاشات المغلقة، هناك من يشعر بالفراغ رغم الامتلاء بالمهام. هناك من يعمل 10 ساعات يوميًا لكنه لا يعرف متى كانت آخر مرة استمتع فيها بيوم عادي. التقدير المفقود، الغموض في الأهداف، والعزلة الرقمية – كل ذلك يصنع جرحًا غير مرئيٍّ في الروح. فالعمل الذي لا يُشعر الإنسان بإنسانيته، لا يمكن أن يكون عملاً صحيًّا.

 المديرون: قادة من الخارج، مُنهكون من الداخل

في المشهد العام، يُنظر إلى المدير كقائد قوي، صاحب قرار، ذو هيبة ومكانة. لكن الحقيقة أن كثيرًا من المديرين، خاصة النساء وكبار السن، يعيشون في قلب الإعصار. يُطلب منهم أن يكونوا حازمين ومتفهمين في آنٍ واحد، أن يتعاملوا مع متغيرات السوق، وتقلّب أداء الفريق، ومزاجيات الإدارة العليا. كثيرون منهم يعملون خارج ساعات العمل بلا تعويض ولا دعم نفسي. والأسوأ: لا أحد يسألهم "هل أنت بخير؟". هذا الصمت المطبق على معاناتهم يجعلهم أكثر عرضة للانطفاء من أي فئة أخرى، رغم أن الأضواء تُسلَّط عليهم أكثر من غيرهم.

 متى تحوّل العمل من وسيلة للعيش إلى غاية تستهلكنا؟

في الأصل، كان العمل أداة لتحقيق الاستقرار، للارتقاء، لبناء الذات. لكننا مع الوقت أصبحنا نعيش لأجل العمل، لا العكس. الوظيفة لم تعد فقط مكانًا نذهب إليه، بل أصبحت شيئًا يسكننا طوال الوقت. حتى في بيوتنا، في أيام العطلة، لا يغيب التفكير فيها. صرنا نُربط قيمتنا الشخصية بمدى نجاحنا المهني، وكأن الإنسان لا يساوي شيئًا خارج إنجازاته. هذا الانزلاق نحو "عبادة الإنجاز" جعلنا نفقد القدرة على التوقف، على الراحة، على الاعتراف بأننا كائنات نحتاج للتوازن أكثر من التصفيق.

ما الذي يمكن أن يُعيد التوازن المفقود؟

التغيير الحقيقي لا يبدأ من الإدارة العليا فقط، بل من ثقافة مجتمعية كاملة تعيد النظر في مفهوم النجاح. علينا أن نُعيد الاعتبار للراحة، للمرونة، للعلاقات الإنسانية. أن يفهم المدراء أن الموظف ليس آلة، وأن تفهم المؤسسات أن الإرهاق المزمن لا يعني التفاني، بل خطر مقبل. التوازن لا يأتي من إجازة سنوية، بل من يوم عمل محترم. من جدول لا يُشعرك بالذنب إن خرجت منه مبكرًا. من بيئة تُقدّر التعب النفسي تمامًا كما تُقدّر تقارير الأداء. هنا يبدأ الازدهار بالعودة من جديد.

 حين نسينا أنفسنا في زحمة العمل

نحن لا نرفض العمل، بل نرفض اختزال الحياة فيه. نريد وظيفة تدفعنا للأمام، لا تسحب أرواحنا ببطء. نريد وقتًا لأنفسنا، نُمارس فيه وجودنا بعيدًا عن المهام. نريد أن نُربّي أطفالنا دون شعور دائم بالتقصير. نريد أن نُحبّ، نبدع، نحلم، ونخطئ… ونعود من جديد. فكل هذه الأشياء جزء من إنسانيتنا. في النهاية، النجاح الحقيقي ليس أن تصل إلى منصب أعلى، بل أن تصل إلى داخلك دون أن تُضيّع نفسك في الطريق.


محادثة

0 تعليقات

مرحبًا بك في منطقة التعليقات! كن مهذبًا وابقَ في صلب الموضوع. قم بزيارة الشروط والأحكام الخاصة بنا واستمتع معنا!

Worx - Worx
لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!

لم تتم إضافة أي تعليقات بعد، كن الأول وابدأ المحادثة!

المهارات في هذه المقالة
Worx © مجتمع ووركس - جميع الحقوق محفوظة
Worx